الجمعة، 10 سبتمبر 2010

الغاز المصري بيروح فين

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم مرة أخرى , بداية كل عام وأنتم بخير
تلقيت بعض التعليقات على التدوينة السابقة وكان الرأي الذي اشترك فيه الجميع أن أسلوبها كان مبتذلاً قليلاً ... حسناً مبتذلاً بشدة ولا يعبر عن شخصيتي الحقيقية , أرجو أن يتغير هذا من الآن فصاعداً وأنا سعيد بتلقي هذه التعليقات لأنها تساعدني على تحسين مستواي

«لكي تكون الحكومة عادلة بالمعني الحرفي، يجب عليها أن تحصل علي موافقة المحكومين وبركتهم، ولا يمكن أن يكون لها حق مطلق علي ممتلكاتي إلا بقدر ما أوافق عليه. أتمني حكومة عادلة مع كل الناس، تعامل الفرد باحترام .. الحكومة تعيش للأفراد ولا يعيش الأفراد من أجل الحكومة .. يجب أن يكون ضمير المرء هو روحه المرشدة العليا»

الفقرة السابقة من مقال "العصيان المدني" لهنري ديفيد ثورو الرجل صاحب أفكار التحرر من الاستبداد في القرن التاسع عشر, د.أحمد خالد توفيق كتب عنه مقال رائع («ثورو» وأشياء أخرى)
وأنا قرأت مقالة العصيان المدني الأسبوع اللي فات, صحيح ما فهمتش منها كتير لكن أنا الأجزاء اللي فهمتها منها فعلاً جديرة بالمناقشة وأن كلنا نعرفها ونعرف إزاي نحولها لأفكار عملية, اللي فعلاً لفت انتباهي كشخص يدعي أنه ذوخلفية إسلامية أن معظم أفكار المقالة لها أصول من آيات أو أحاديث بتؤمرنا بالالتزام بالحق والعدل ومواجهة الظلم , وكل ده خلاني أفكر أن عصور الجهل والتخلف في العالم الإسلامي خلت الاجتهاد في الجانب السياسي تقريباً منعدم وخصوصاً أدوات وآليات التغيير السلمي لدرجة إنه حتى الآن بعض الفئات التي تزعم أنها تنتمي للحركة الإسلامية بيعتبروا العصيان المدني حرام وحتى كفر لأنه خروج على الحاكم , على الجانب الآخر معظم شباب الحركة الإسلامية ومنهم أنا مثلاً ماعندهمش الوعي السياسي الكافي عشان يناقشوا ويفكروا ويطوروا هذه الأدوات السياسية

كنت أود أن أتكلم في هذا الموضوع اليوم لكن توقفت لسببين: الأول أنني أحب أن أنتظر حتى أفهم المقالة وأكون أكثر قدرة أن أتكلم عنها والثاني حتى لا أخلف وعدي بالكلام عن قصة الغاز المصري

الغاز المصري والتصدير وإسرائيل
أعتقد أنه من الأفضل أن أعطي خلفية تاريخية عن إنتاج الغاز في مصر والعالم أولاً , الغاز على مدى ربما قرن من بداية الإنتاج التجاري لللبترول 1859 كان يتم حرقه , حرقه في الحقول مباشرة وهو خارج من الآبار لكي يتم الحصول على المتكثفات (سوائل خفيفة مصاحبة للغاز سعرها عادة أغلى من البترول الخام) وهذا ربما لا زال يتم حتى الآن في العراق ونيجيريا , بدأ استغلال الغاز تجارياً ربما في أواخر الأربعينات من القرن الماضي
في ثمانينيات القرن العشرين , بدأت في مصر خطة طموحة لاستغلال الغاز الطبيعي , كان ملاحظاً ساعتها أن معدل اكشافات وإنتاج البترول المصري في تناقص ومع عدم وجود خطط واضحة لاستغلال مصادر طاقة أخرى كان الغاز ساعتها يمثل بديلاً مناسباً
الخطة نجحت في معظم محاورها بالمناسبة , مصر من الدول القليلة التي يصل فيها نسبة استهلاك الغاز الطبيعي في المنازل والمصانع وحتى السيارات لنسبة كبيرة مقارنة ببقية مصادر الطاقة
حتى تبدأ هذه الخطة ولأن مصر دولة فقيرة نسبياً ولا تستطيع تحمل تكاليف استكشاف وإنتاج الغاز الضخمة كان لابد من تشجيع الاستثمار لذا وفعت الحكومة مع شركات متعددة اتفاقيات خذ أو ادفع ToP (Take or Pay) agreements , والاتفاقيات دي معناها أن الشركات هتبحث عن الغاز وإذا اكتشفت الغاز يا إما الحكومة تشتري منها الغاز يا إما تدفع لها فلوس مقابل أنها لم تشتري الغاز
طبعاً العقود دي مهمة جداً للشركات لأن الغاز بطبيعته غير الزيت مالوش سوق فورية (بورصة) يتباع فيها مباشرة وتقريباً في كل دول العالم يباع باتفاقيات طويلة الأجل
المهم كان في قصة مشهورة عن حقل الأبيض اللي اكتشفته شل (أكبر شركة بترول في العالم) قريباً من مطروح وهو حقل ضخم ومصر كانت بتدفع لشل عشان مصر ماشترتش الغاز مباشرة بعد الاكتشاف , اللي اتنشر بعد كده أن تقديرات احتياطي الغاز في الحقل كان مبالغ فيها وشل بنت تسهيلات إنتاج غير ضرورية بحوالي 300 مليون دولار وأصبحت درس يعلم في شل عن إزاي أخطاء مهندسي الخزانات ممكن تضيع مشاريع كاملة
المهم طبعاً كان لازم لمصر حتى لا تظل تدفع مصاريف غير ضرورية للشركات أن تسارع ببناء شبكة غاز طبيعي في مصر كلها حتى تستفيد من مصادر الغاز الطبيعي لديها ولاحقاً ظهر خيار التصدير كمصدر دخل شديد الأهمية للبلد وكانت إسالة الغاز هي الحل الأمثل (سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي 2.65 دولار بينما سعر نفس الكمية من الغاز الطبيعي المسال يتجاوز العشر دولارات) وبالتأكيد حتى يتم إنشاء مشاريع بهذه الضخامة كان لا بد من الاستعانة بخبرات وأموال الشركات الأجنبية وتم إنشاء وحدتين لإسالة الغاز الطبيعي في إدكو ودمياط وكان مصنع دمياط ساعة بناءه هو أكبر محطة لإسالة الغاز الطبيعي في العالم , لاحقاً بنت قطر 7 محطات لإسالة الغاز الطبيعي كلها أكبر من هذه المحطة
ولأن التصدير لا يكون فقط بإسالة الغاز (الإسالة حل فني متقدم وجد لإتاحة نقل الغاز لمسافات بعيدة) لايزال ممكناً نقل الغاز باستخدام الأنابيب وهذه هي الطريقة التي يتم بها تصدير الغاز لبلاد الشام و إسرائيل وبالمناسبة لازال هذا استثماراً شديد الضخامة (خط غاز العريش-عسقلان تكلف 1.3 مليار دولار) وبالطبع سعر الغاز المصدر عن طريق الأنابيب عادةً أرخص من الغاز المسال لأنه ببساطة يستخدم تكنولوجيا أبسط
كانت حجة الحكومة المصرية دوماً في موضوع تصدير الغاز لإسرائيل أننا نحتاج لتصدير الغاز لأننا نحتاج لعملة صعبة وحتى لا ندفع غرامات للشركات الأجنبية , طبعاً قد يبدو هذا منطقياً في حالة تصدير الغاز المسال (الغالي) لكن أن تصدر الغاز باتفاقية سرية وبسعر أرخص من الأسعار التي تبيع بها في الداخل فهذا يعني أن هناك شيئاً ما خطأ ....
أخيراً أود أن أعلق على موضوع استيراد مصر للغاز من إسرائيل , أنا اللي فهمته في البداية أن مصر هتصدر نصف الكمية فقط وتدفع ثمن الباقي لكن فعلاً لا يمكن فنياً استيراد الغاز مباشرة من إسرائيل عن طريق الأنابيب ولا مسالاً لأن إسرائيل حالياً ليس لديها القدرة الإنتاجية ولا التكنولوجيا ولكن أعتقد أنه سيكون لديها قريباً نتيجة لاكتشافات الغاز الضخمة أمام سواحل فلسطين المحتلة (الموضوع ده لازم يأخذ حقه لأنه إذا كانت فلسطين محتلة فبالتبعية ثرواتها مش من حق المحتل) طبعاً الكلام ده ليه وقته وكمان هنتكلم إزاي الشركات العاملة في مصر تساعد الإسرائيليين على سرقة موارد الشعب الفلسطيني

أعتقد أن هذا يكفي الآن , المرة القادمة ربما نتكلم عن ما الذي حدث حتى نصل لوضع أزمة الطاقة الحالية ؟ وماذا تفعل الدول المختلفة عندما تحدث عندها أزمة طاقة (في الشتاء غالباً وليس صيفاً مثلنا)؟
شكراً لصبركم

محمد حلمي

هناك تعليق واحد:

  1. على فكرة إنت بتقعد فترة كبيرة عشان تكتب تدوينة ... وكمان لما بتكتبها بتبقى قصيرة جداااااا...
    حاول تعالج احدى المشكلتين ..
    بس ما شاء الله ...الكلام مفيد ومشوق جدا
    ننتظر المزيد :)

    ردحذف