الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

منحنى تعلم شديد الانحدار Steep learning Curve


السلام عليكم
الأسبوع الماضي طلبت من الأصدقاء بعض الوصفات السريعة والسهلة لأكلات شهية ولم أحصل على شئ سوى وصفة واحدة لعمل التونة بالخس والطماطم ولأن سعر الطماطم أصبح عشر جنيهات للكيلو فقد قدرت أنها ستكون رفاهية مبالغ فيها , لذا انتهى بي الأمر أن أطبخ نفس ما طبخته الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع , للأسف لم يتحسن طبخي كثيراً - ربما لم يتحسن على الإطلاق - ودعاني هذا للتفكير في شكل منحنى تعلمي* الذي تخيلته مستوياً لا يزيد مع الزمن , طبعاً في الوضع المثالي منحنى تعلم أفقي يعني الوصول للقمة في هذا المجال وعدم القدرة على تعلم أي شئ آخر فيه وهو مستحيل نظرياً على ما أعتقد لأنه تعالى قال "وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" ** لكن في حالتي الخاصة هذا يعني عدم القدرة على تعلم أي شئ وهو عيب أرجو أن يختفي مع الزمن.

ما دعاني للتفكير في هذا هو في الحقيقة شيئين , أولهما رغبتي في أن أعرف كيف يقيم العلماء منحنيات التعلم لأنني لاحظت أنني أحياناً ما أرتكب أخطاء شديدة التفاهة ولا أتعلم منها فيما بعد رغم وضوحها الشديد والآخر هو الانتخابات النيابية القادمة.

عندما يرتكب الإنسان خطأً ما يكون منحنى تعلمه شديد الانحدار , وهذا يعني أنه يعرف كماً كبيراً من المعلومات في فترة قصيرة ما يؤدي به إلى الحرص على عدم ارتكاب الخطأ مرة ثانية , لكن عند تكرار الخطأ لا يكون منحنى التعلم بنفس انحدار المرة الأولى ما يؤدي إلى عدم اهتمام المخطئ للخطأ ما يؤدي إلى سهولة الوقوع فيه مرة ثالثة ورابعة وهكذا , والسؤال الآن لمن يفهمون الإدارة والتربية , كيف يمكن الاستفادة من الأخطاء عند وقوعها أكثر من مرة لجعل تكرارها بعد ذلك أشد صعوبة؟
يبدو ما كتبته الآن معقداً , حسناً سأحاول أن أبسطه فيما بعد.

عادة ما يكون منحنى التعلم شديد الانحدار لدى المبتدئين , أخبرني مديري السابق ذات مرة أن منحنى التعلم يكون أشد انحداراً في الخمس سنين الأولى من حياتي المهنية , بعد ذلك يقل ميله تدريجياً حتى يقترب من الأفقي عند نهايتها , هذا ليس هو وضعي الحالي , فمنحنى تعلمي ليس مائلاً بشكل كافي ومرضي , ربما ليس مائلاً على الإطلاق , وهذا هو أحد أهم الأسباب التي تجعلني أرغب في ترك عملي الحالي , بالتأكيد إذا كان أحدكم يملك مساعدتي فلا تترددوا في فعل ذلك , شكراً.
يكون منحنى التعلم شديد الانحدار أيضاً في حالات الخطأ , على سبيل المثال حادث بئر ماكوندو في خليج المكسيك كان حدثاً ذو منحنى تعلم شديد الانحدار -أول حادث انفجار لبئر على هذا العمق 1800 متر- وظل المهندسون والعلماء يبحثون على مدار أشهر كل الطرق الممكنة لغلق البئر حتى استطاعوا ذلك بعد ثلاثة أشهر من انفجارها وتسرب مايقرب من خمسة ملايين برميل من الزيت ما سيكلف بي بي (الشركة المالكة ل 65% من الحقل والتي كانت تدير حفر البئر) ما يقرب من ثلاثين بليون دولار ( أقل قليلاً من دين مصر الخارجي - يعتبره البنك الدولي هائلاً , الدين وليس كلفة الحادث) لإغلاق البئر وإعادة ساحل الخليج لطبيعته.
 أمثلة أخرى لما يمكن أن يكون ذو منحنى تعلم شديد الانحدار حادثة تشرنوبيل أو السنة الأولى من الزواج حيث لا يعلم الزوجان الكثير عن بعضهما ما يؤدي لكثير من المشاكل وحالات الطلاق , د.أحمد خالد توفيق كتب عن ذلك مقالة جميلة سماها كان يمثل.
منحنى التعلم هو أحد الخصائص التي يمكن تقييم البدائل المختلفة على أساسها , فعندما يتوقع أن يكون منحنى التعلم لخيار مشروع ما أكثر انحداراً من خيار آخر , يتم الموافقة على المشروع ذو منحنى التعلم الأقل ميلاً , لأن ذلك يعني أن المخاطرة بحدوث مشاكل غير متوقعة فيه أقل. عادة هذا ما يحدث في صناعة البترول , لا أدري ماذا يحدث في الصناعات الأخرى لكنني أعتقد أن نفس المبدأ يتم تطبيقه.
والمديرون وأصحاب القرار لا يسعون للحلول الأقل مخاطرة لأنهم جبناء ولكن ببساطة لأنه من أكثر أسباب الفشل في العالم أو على الأقل في صناعة البترول عدم اتباع الإجراءات والخطط وعندما يحدث ما هو جديد أي غير مخطط له فإنه لا تكون هناك إجراءات لاتباعها من الأساس ما يزيد احتمالات الفشل والخسارة , لذا يسعى أصحاب القرار للابتعاد عن المشاريع أو البدائل ذات منحنيات التعلم شديدة الانحدار.

ما الذي دفعني للكتابة عن هذا الآن ؟ هل هو الاستطراد ثانية ؟ آه إنها الانتخابات النيابية القادمة.
هل يتم تقييم أداء الحركات والجماعات بنفس هذا الشكل؟ وكيف كانت منحنيات التعلم لجماعة الإخوان المسلمين طوال الثمانين عاماً الماضية في المجالات الدعوية والتربوية والسياسية والاحتماعية؟ هل يقوم أحد بهذا النوع من الدراسات؟ وهل تنشر؟ وإذا لم يكن هذا هو ما يحدث فكيف يتم تقييم الأداء وأين ينشر هذا التقييم؟ 
بالتأكيد لست مهتماً كثيراً بهذا فهذا عمل أناس آخرون من الطبيعي أن أفترض أنهم يقومون بعملهم على أكمل وجه لكنني لا زلت مهتماً بمعرفة أساليب التقييم والنتائج التي تم التوصل إليها في هذه التقييمات.
لماذا فكرت في هذا؟ ما على الساحة الآن هو المشاركة أو المقاطعة للانتخابات البرلمانية 2010 , وأنا أفكر هل من الممكن المفاضلة بين الخيارين على أساس منحنى التعلم لكل منهما؟ أنا لا أعني هنا موازنة الربح والخسارة ولكن سهولة التخطيط وسلاسة التنفيذ لأي من الفكرتين وتوابعهما من أفعال. أنا لن أقول الآن ما هو رأيي الشخصي في المشاركة أو المقاطعة فقد خصصت لذلك تدوينة أخرى ربما لن تنشر أبداً , لكن سؤالي مرة أخرى هو هل من الممكن المفاضلة بين خياري مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية 2010 أو مقاطعتها على أساس منحنى التعلم لكل منهما؟ بالطبع آراؤكم الأخرى حول المشاركة والمقاطعة ستكون موضع تقدير.
جزيتم خيراً

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
* منحنى التعلم هو تمثيل رسومي لتغير معدل التعلم (في الشخص العادي) لنشاط معين. عادة ، تكون الزيادة في الاحتفاظ بالمعلومات أكبر بعد المحاولات الأولى ، ومن ثم تقل تدريجيا ، وهذا يعني أن يتم الاحتفاظ بمعلومات جديدة أقل وأقل بعد كل تكرار.
** [الإسراء: 85]

السبت، 25 سبتمبر 2010

اليوم غسل الملابس



بسم الله الرحمن الرحيم
"غسل الملابس , عملية مرهقة ومحبطة , لا يمكن الشعور بالإنجاز فيها مقارنة بغسيل الأطباق حيث يمكن التأكد من جودة ونظافة كل طبق على حدة". كان هذا تعليقي اليوم بعد غسيل الملابس. ومنذ أن سافرت أمي أصبح إنجازي اليومي هو إما الطبيخ أو غسل الأطباق أو الملابس أو كيها (الملابس لا الأطباق بالطبع) , صورة لم أتخيلها في أسوأ كوابيسي فدائماً ما تخيلت أني سأكون شخصاً مهماً شديد الانشغال يقضي يومه في حل مشاكل العالم, نرجسية وإعجاب مبالغ فيه بالذات كما ترون لكن لا تقلقوا فكل هذه الأحلام تتحطم حالياً على صخرة الواقع ,  بالتأكيد أنا ألوم أمي جزئياً على هذا الوضع فبالنسبة لي هي قدمت مبررات واهية للانتقال , "لم تعد تعجبني الحياة في القاهرة بعد الآن , كما أنك كبرت ولم تعد تحتاجني , وقد حان الوقت للزواج , شوف لك عروسة ولا تتحجج بوجودي أو سفري" , تسلط غير طبيعي من قبلي , لكن لا تلوموني كثيراً فقد وجدت نفسي في وضع لا أحسد عليه مؤخراً .

لكن هذا الذي حدث خلال الأسابيع الثلاثة الماضية جعلني أعيد التفكير في العديد من الأشياء:
  1. الست المصرية بطلة , فهي تفعل كل ما أفعله في أسبوع في يوم واحد بالإضافة إلى المذاكرة لأولادها , تفعل هذا ثم تجد بعض الأولاد والأزواج غاضبين لأن الأكلة ناقصة ملح أو لأن الزوجة زاد وزنها ولم تعد تهتم بنفسها , بالـتأكيد يحتاج أي إنسان لقدر لا بأس به من الصفاقة لكي يفعل ذلك , لكن يبدو أن الصفاقة لا تنقص هؤلاء
  2. أنا أقول هذا الكلام وأنا على البر (واللي ايده في الميه مش زي اللي ايده في النار) , وبالطبع يمكنني أن أدعي أنني سأكون زوجاً مثالياً أقدر زوجتي وأساعدها في أعمال المنزل (رغم أنني أعلم أن كل أعمال المنزل هي شرعاً مسئولية الزوج وليس الزوجة , لكن الزوجات المصريات يعتبرن هذا واجبهن التاريخي), فما أقوله الآن ربما يعتبر مسئولية لن أستطيع أن أوفيها فيما بعد , لكن شهادة الحق تظل هي هي في كل مكان وتحت أي ظروف
  3. أنا محتاج للزواج الآن أكثر من أي وقت مضى , ربما هذا ما يجعلني أبدأ في التراجع كلما تكلم أحدهم في هذا الموضوع , قديماً عندما كنت على البر أيضا ً كنت شديد المثالية , كنت أرى الزواج مؤسسةً ومشروعاً هدفه الأهم هو بناء لبنة تكون جزءاً من كيان المجتمع الذي أحلم به , الآن صار الزواج مشروعاً قصير الأمد هدفه إشباع الاحتياجات الجنسية والعاطفية وحديثاً الاحتياجات اليومية من مأكل وملبس إلخ , تحول الزواج عندي من وسيلة لتحقيق حاجات قمة الهرم (هرم ماسلو - هرم الحاجة) إلى وسيلة لإشباع حاجات قاعه , وهذا يجعلني أؤجل التحرك في هذا الاتجاه حتى يحدث التوازن الذي أنشده
  4. أنا أحتاج حالياً إلى وصفات متعددة مفصلة سريعة وسهلة للطبخ , فأنا لا أطيق البقاء في المطبخ أكثر من نصف ساعة كما أنني لا أعتبر الأكل من خارج البيت لذيذاً إلا إذا كان في فنادق الخمس نجوم وهذا يستدعي بالطبع أن يدفع الحساب شخص ما غيري , وهو شرط لا يتوافر كل يوم , لذا أنا سأستغل كرم ولطف المتابعين لهذه المدونة وأرجو منهم أن يبعثوا لي بوصفات سريعة مفصلة وسهلة , وسأكون شاكراً جداً لهم
 
يبدو أن هذا كل شئ الآن ودمتم

السبت، 18 سبتمبر 2010

حب حياتي


سألوني كثيراً , لم لم تتزوج؟ لم أملك رداً؟
حسناً ألم تحب من قبل؟ نعم أحببت , فما الذي يمنعك  من الارتباط بمن تحب؟
 مممممم ثلاثة أسباب رئيسية
إنها متزوجة , لا أدري ماالذي يدفعني للجهر بهذا فالجهر ذنب أحياناً
ولديها أطفال ولا بد أن أكون معتوهاً كي أتصور أنها يمكن أن تترك أطفالها من أجلي
لا ليس هذا كل شئ فهي ميتة , نعم لم يمنعني هذا أن أحبها فأنا لم أعرفها إلا بعد وفاتها
هي ميتة ,  أقصد أنها تعيش في عالم آخر {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} نعم نحسبها عند الله شهيدة
 إنها ريم الرياشي أم لطفلين وأول فلسطينية تقوم بعملية استشهادية في الانتفاضة الثانية في يناير 2004

أنا لم أحب ريم الإنسانة فأنا لم أعرفها لكنني أحببت ريم المثال , المرأة صاحبة الغاية والهدف التي تتخلى عن كل شئ في الحياة لتحقيق أهدافها حتى لو كان زوجاً محباً وأطفالاً رائعين
لست أدري ماذا حدث لأسرة ريم من بعدها , ربما مات زوجها كمداً لفراقها أو عجلة للقائها , ربما تزوج مرة أخرى فأولاده يحتاجون لرعاية , لكن من تحل محل ريم؟
كنت دائماً أفكر ماذا قالت لطفلتها ورضيعها في لحظاتها الأخيرة وكيف ودعتهما؟


دائماً ما تمنيت أن يرزقني الله زوجة مثل ريم لكني أعرف أني لا أستحقها ولو تقدمت لها (لمن تماثلها) لرفضتني , إذا أردت فاطمة فكن علياً , وأنا أعرف أني لست علياً


أفكار عمرها خمس سنوات  لم أستطع التعبير عنها من قبل

الاثنين، 13 سبتمبر 2010

الغاز وطل وأشياء أخرى

بسم الله الرحمن الرحيم

مظاهرة أمام السفارة السورية يوم الأحد القادم للمطالبة بالإفراج عن طل الملوحي , واعتراضات لأن هذا ربما ليس مجدياً كما أنه يدعم الهجمة الأمريكية على سوريا وإيران.
بيان يتم توقيعه من الشخصيات العامة للمطالبة بالإفراج عن طل وتسليمه للسفارة السورية واعتراضات لأنه سيتم إلقاؤه في سلة المهملات.
مطالب بتنظيم المظاهرة أمام نقابة الصحفيين لأن هذا سيكون له وقع وتأثير أكبر.
اتهامات متبادلة بالخيانة , العمالة , والجبن وتهدأ الاتهامات حتى تصل في حدها الأدنى للجهل وقصر النظر وعدم التفكير في عواقب الأمور
فاصل مما حدث ويحدث اليومين الماضيين على المدونات , فيس بوك وتويتر.
إذا كان هذا هو حال النشطاء والمدونين , أصحاب الكلمة والرأي , المدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان عند اختلافهم , فماذا ننتظر من العامة والغوغاء؟ أن يقيموا مؤتمرات لدعم الحوار مع الآخر!!
لمن لا يعرف طل الملوحي مدونة سورية من مدينة حمص في التاسعة عشر من عمرها كانت تستعد لشهادة الثانوية العامة حين اختطفها النظام السوري في ديسمبر 2009 ولم يفرج عنها حتى الآن وسط مخاوف على صحتها وحياتها.
لمزيد من المعلومات عن طل وللمشاركة في فعاليات حملة الدفاع عنها هنا و هنا

وقد قدمت والدة طل خطاب رجاء واستعطاف للرئيس السوري من أجل الإفراج عن ابنتها , ومع كامل تقديري لموقف الأم وتعاطفي معها إلا أن هذا دعاني للتفكير في تجبر الأنظمة العربية الذي يجعل ضحاياها ينتظرون من هذا المجرم أو ذاك أن يكون أباً حانياً ينظر بعين الرأفة إلى أبنائه وبناته في السجون.

في السطور السابقة عرضت مشكلة أراها في طريقة تعامل النشطاء من اتجاهات مختلفة مع بعضهم حال اختلاف وجهات النظر , لست أعتقد أن لدي الحل الآن , ولكني أرى أن عرض المشكلة خطوة مهمة وضرورية من أجل الوصول لحل. وقد كتبت نقداً للمدونين والنشطاء , ورغم ذلك لا أتوقع أن يخرج أحدهم ليتهمني بالخروج على الصف وتفتيت وحدة الجماعة (أعني جماعة المدونين والنشطاء بالطبع) ثم يعلن أحدهم في قرار إلكتروني خطير أن التدوين ينفي خبثه (واللي مش عاجبه يدون في حتة تانية والباب يفوت جمل).

خطط لحملات عصيان مدني لم تشهدها بريطانيا منذ ثلاثة عقود و اتحاد العمال البريطاني يبحث امكانية اضراب عام احتجاجا على خطط الحكومة التقشفية

بريطانيا , تلك الجزيرة الصغيرة في أقصى غرب أوروبا التي كانت يوماً ما تحكم امبراطورية لاتغيب عنها الشمس والتي تفككت تحت شعاري (لا ضرائب بدون تمثيل في الولايات المتحدة والتغيير السلمي - السانيجراها - في الهند) ربما تحدث بها قريباً أكبر حركة عصيان مدني منذ ثمانينيات القرن الماضي احتجاجاً على خطط الحكومة التقشفية لتخفيض الوظائف العامة.
تحالف المحافظين والديمقراطيين الأحرار الذي يحكم بريطانيا نجح في الانتخابات منذ أربعة أشهر فقط وحصل على نسبة 60% من إجمالي الناخبين بأغلبية 56% في مجلس العموم وهي أول حكومة محافظين منذ 13 عاماً.
لم يخرج أحد من العمال الذين سيفقدون وظائفهم ليناشد رحمة جلالة الملكة أو أبوة السيد كاميرون رئيس الوزراء أو شفقة نك كليغ نائبه لينظروا بعين الرأفة إلى العمال والأسر الذين سيتشردون عند تخفيض الوظائف. ولم يخرج أي من الأبواق ليطالب الشعب الطيب بأن ينتظر حتى تظهر نتائج مجهودات الحكومة الجديدة التي لم يتعد عمرها أربعة أشهر.
هم يعلمون أن حكومة المحافظين تسعى لتخفيض الوظائف العامة وهم مستعدون لإسقاط الحكومة ووقف حال البلد من أجل أن يعيشوا عيشة كريمة.
يشعرني هذا بالحزن على حال النقابات العمالية في بلادنا وعلى حال العمال والموظفين أنفسهم ويذكرني بالمازوخية (الماسوشية) الشديدة التي لا يعانيها في العالم إلا نحن.

ما كتبته سابقاً ربما يخالف تعهدي بالكتابة عن الغاز المصري كما أنه احتل جزءاً كبيراً من التدوينة وربما لا يعجب هذا البعض لكن اعذروني فقد أصبح الاستطراد أحد عاداتي السيئة. كما أنني أرى أن تعهدي بالكتابة في موضوع واحد حتى ينتهي هو التزام مجحف لذا فإنني أتحلل منه من الآن وصاعداً.
شكراً لكل من قرأ وعلق على تدوينتي السابقة ولمن يجد صعوبة في التعليق على المدونة لأنه ليس لديه حساب جوجل
(Google account)
فيمكنه التعليق على فيس بوك أو تويتر.

كنت قد وعدتكم أن أتحدث عن ما الذي حدث حتى وصلت مصر لأزمة الطاقة الحالية؟ وكيف تتعامل الدول الأخرى عندما يحدث له أزمة طاقة مشابهة؟

كانت خطط مصربخصوص الغاز ناجحة حتى منتصف العشرية الأولى من الألفية الثالثة , ساعتها بدأت مصر تتوسع في التصدير , وبدأ إنتاج الغاز من الحقول القديمة يضمحل , كما تراجعت الاكتشافات الجديدة , ولم تعد الشركات الكبرى تبدي نفس الحماسة للبحث عن الغاز في مصر.
لماذا لم يعد ل
لشركات الكبرى نفس الحماسة للبحث عن الغاز في مصر؟ لأن مشتري الغاز في مصر هو غالباً الحكومة المصرية التي تدفع أسعاراً أقل من تلك التي يدفعها أي مشتري آخر للغاز في العالم كما أنه قد ظهرت مناطق أخرى بها احتياطيات هائلة من الغاز ولا تتحكم الحكومات بإنتاجه كما يحدث في مصر , على سبيل المثال تم اكتشاف كميات هائلة من الغاز في المياه العميقة غرب أستراليا وفي أحد هذه المشاريع وهو مشروع
-Gorgon-
الذي تديره شركة شيفرون الأمريكية والذي سيكلف ما يزيد عن الأربعين مليار دولار باعت شيفرون نصيبها من الغاز(50% ) قبل ثلاث سنوات من إنتاجه ب 73 مليار دولار وكذا فعل شركاؤها. وأنا في الحقيقة لا أحب كثيراً الحديث عن مشاريع الغاز في غرب أستراليا لأنها سلبتني مديري لذا لن أخوض فيها كثيراً.
الاستثمار في هذا المشروع فقط ربما يزيد عن كل ما تم استثماره في البحر المتوسط والدلتا لإنتاج واستكشاف الغاز.
كذلك ظهرت المصادر الأخرى للغاز الأكثر تعقيداً في الإنتاج مثل
-shale gas-
في الولايات المتحدة الذي تتجه كل الشركات الكبرى للاستثمار فيه حالياً والذي يباع فورياً بسعر السوق وقد وصل سعر الغاز في صيف 2008 إلى 16 دولار للمليون وحدة حرارية مقارنة بسعره في مصر2.65
دولار للمليون وحدة حرارية.
كل هذه العوامل دفعت الحكومة المصرية للتفاوض مع شركائها الأجانب لزيادة أسعار الغاز الذي يتم شراؤه من الشريك الأجنبي من أجل زيادة الاستثمار والإنتاج في مصر.
وبدأت بالفعل في 2007 مفاوضات زيادة سعر الغاز وتم بالفعل زيادته في 3 مناطق امتياز في 2008 ثم في 2010 تم التوقيع على اتفاقية شركة بي بي التي كما فهمت مما نشر عنها (وقد أحيطت تفاصيل مفاوضات هذه الاتفاقية بسرية شديدة في أروقة وزارة البترول والهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي) تنص على حق الشركة في كل الغاز مقابل أن تبيعه لمصر بسعر معين يعتمد على سعر خام برنت وبسقف محدد للإنتاج بعده تتم المشاركة في الملكية في الغاز والمتكثفات الزائدة عن 5 تريليونات قدم مكعب و 55 مليون برميل.
بالطبع لم يكن هذا الاتفاق هو الأمثل لمصر في رأي الكثيرين لكن وزارة البترول التي تعلم أن هذه الاكتشافات كان يجب أن يتم إنتاجها منذ 2007 وأن عدم إنتاجها يشكل عاملاً مهماً في أزمة الطاقة التي تتعرض لها مصر الآن وتعلم أن مصر لا توجد لديها التكنولوجيا ولا رأس المال اللازمين لإنتاج هذ الغاز الصعب (العميق في المياه العميقة) رأت أن هذا هو الحل الوحيد المتاح لإلزام الشركة بالإنتاج في أواخر 2014 قبل أن تكون هناك أزمة طاقة متفاقمة لا يمكن السيطرة عليها.
بالطبع لا يمكنني الآن أن أكتب رأياً كاملاً بخصوص هذه الاتفاقية لكن مرة أخرى أن يتم إحاطة هذه الاتفاقية بهذه السرية الشديدة ويتم تمريرها في مجلس الشعب في وقت قصير جداً بأغلبية ربما لا تفهم شيئاً عن قوانين واتفاقيات البترول فهذا يعني أن هناك شيئاً ما خطأ.

ننتقل الآن إلى ما يحدث في الدول الأخرى عندما تحدث لديهم أزمة طاقة. , بريطانيا كمثال.
بريطانيا مرة أخرى , بريطانيا دولة منتجة للطاقة ومستوردة في نفس الوقت وبدون الدخول في تفاصيل كثيرة فإنهم يعلمون أن إمدادات الغاز لديهم ولأسباب مختلفة لن تكون كافية خصوصاً في الشتاء , ربما يحدث هذا الشتاء القادم أو الذي يليه , لا يهم , المهم أنهم يعلمون أنه لأيام قليلة في الشتاء لن يكون الغاز المتوافر كافياً لكل متطلبات الغاز في بريطانيا لذا لديهم خطة طوارئ كاملة عندما تقل إمدادات الغاز فإنهم سيقطعونها عن المصانع الأكثر استهلاكاً للطاقة ثم الأقل استهلاكاً وهكذا وبالتأكيد فإن غاز التدفئة في البيوت يقبع في آخر القائمة لأنه لا يمكن قطعه حتى لا يتجمد الناس ويموتون برداً , أنا بالتأكيد لا أعلم بوجود خطة مماثلة في مصر لكن حتى في حالة وجودها لا أظن أن الناس على قمة هرم الأولويات فهم دائماً المسئولون عن زيادة الاستهلاك وربنا يخلي الحكومة اللي مستحملانا.

تحياتي

الجمعة، 10 سبتمبر 2010

الغاز المصري بيروح فين

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم مرة أخرى , بداية كل عام وأنتم بخير
تلقيت بعض التعليقات على التدوينة السابقة وكان الرأي الذي اشترك فيه الجميع أن أسلوبها كان مبتذلاً قليلاً ... حسناً مبتذلاً بشدة ولا يعبر عن شخصيتي الحقيقية , أرجو أن يتغير هذا من الآن فصاعداً وأنا سعيد بتلقي هذه التعليقات لأنها تساعدني على تحسين مستواي

«لكي تكون الحكومة عادلة بالمعني الحرفي، يجب عليها أن تحصل علي موافقة المحكومين وبركتهم، ولا يمكن أن يكون لها حق مطلق علي ممتلكاتي إلا بقدر ما أوافق عليه. أتمني حكومة عادلة مع كل الناس، تعامل الفرد باحترام .. الحكومة تعيش للأفراد ولا يعيش الأفراد من أجل الحكومة .. يجب أن يكون ضمير المرء هو روحه المرشدة العليا»

الفقرة السابقة من مقال "العصيان المدني" لهنري ديفيد ثورو الرجل صاحب أفكار التحرر من الاستبداد في القرن التاسع عشر, د.أحمد خالد توفيق كتب عنه مقال رائع («ثورو» وأشياء أخرى)
وأنا قرأت مقالة العصيان المدني الأسبوع اللي فات, صحيح ما فهمتش منها كتير لكن أنا الأجزاء اللي فهمتها منها فعلاً جديرة بالمناقشة وأن كلنا نعرفها ونعرف إزاي نحولها لأفكار عملية, اللي فعلاً لفت انتباهي كشخص يدعي أنه ذوخلفية إسلامية أن معظم أفكار المقالة لها أصول من آيات أو أحاديث بتؤمرنا بالالتزام بالحق والعدل ومواجهة الظلم , وكل ده خلاني أفكر أن عصور الجهل والتخلف في العالم الإسلامي خلت الاجتهاد في الجانب السياسي تقريباً منعدم وخصوصاً أدوات وآليات التغيير السلمي لدرجة إنه حتى الآن بعض الفئات التي تزعم أنها تنتمي للحركة الإسلامية بيعتبروا العصيان المدني حرام وحتى كفر لأنه خروج على الحاكم , على الجانب الآخر معظم شباب الحركة الإسلامية ومنهم أنا مثلاً ماعندهمش الوعي السياسي الكافي عشان يناقشوا ويفكروا ويطوروا هذه الأدوات السياسية

كنت أود أن أتكلم في هذا الموضوع اليوم لكن توقفت لسببين: الأول أنني أحب أن أنتظر حتى أفهم المقالة وأكون أكثر قدرة أن أتكلم عنها والثاني حتى لا أخلف وعدي بالكلام عن قصة الغاز المصري

الغاز المصري والتصدير وإسرائيل
أعتقد أنه من الأفضل أن أعطي خلفية تاريخية عن إنتاج الغاز في مصر والعالم أولاً , الغاز على مدى ربما قرن من بداية الإنتاج التجاري لللبترول 1859 كان يتم حرقه , حرقه في الحقول مباشرة وهو خارج من الآبار لكي يتم الحصول على المتكثفات (سوائل خفيفة مصاحبة للغاز سعرها عادة أغلى من البترول الخام) وهذا ربما لا زال يتم حتى الآن في العراق ونيجيريا , بدأ استغلال الغاز تجارياً ربما في أواخر الأربعينات من القرن الماضي
في ثمانينيات القرن العشرين , بدأت في مصر خطة طموحة لاستغلال الغاز الطبيعي , كان ملاحظاً ساعتها أن معدل اكشافات وإنتاج البترول المصري في تناقص ومع عدم وجود خطط واضحة لاستغلال مصادر طاقة أخرى كان الغاز ساعتها يمثل بديلاً مناسباً
الخطة نجحت في معظم محاورها بالمناسبة , مصر من الدول القليلة التي يصل فيها نسبة استهلاك الغاز الطبيعي في المنازل والمصانع وحتى السيارات لنسبة كبيرة مقارنة ببقية مصادر الطاقة
حتى تبدأ هذه الخطة ولأن مصر دولة فقيرة نسبياً ولا تستطيع تحمل تكاليف استكشاف وإنتاج الغاز الضخمة كان لابد من تشجيع الاستثمار لذا وفعت الحكومة مع شركات متعددة اتفاقيات خذ أو ادفع ToP (Take or Pay) agreements , والاتفاقيات دي معناها أن الشركات هتبحث عن الغاز وإذا اكتشفت الغاز يا إما الحكومة تشتري منها الغاز يا إما تدفع لها فلوس مقابل أنها لم تشتري الغاز
طبعاً العقود دي مهمة جداً للشركات لأن الغاز بطبيعته غير الزيت مالوش سوق فورية (بورصة) يتباع فيها مباشرة وتقريباً في كل دول العالم يباع باتفاقيات طويلة الأجل
المهم كان في قصة مشهورة عن حقل الأبيض اللي اكتشفته شل (أكبر شركة بترول في العالم) قريباً من مطروح وهو حقل ضخم ومصر كانت بتدفع لشل عشان مصر ماشترتش الغاز مباشرة بعد الاكتشاف , اللي اتنشر بعد كده أن تقديرات احتياطي الغاز في الحقل كان مبالغ فيها وشل بنت تسهيلات إنتاج غير ضرورية بحوالي 300 مليون دولار وأصبحت درس يعلم في شل عن إزاي أخطاء مهندسي الخزانات ممكن تضيع مشاريع كاملة
المهم طبعاً كان لازم لمصر حتى لا تظل تدفع مصاريف غير ضرورية للشركات أن تسارع ببناء شبكة غاز طبيعي في مصر كلها حتى تستفيد من مصادر الغاز الطبيعي لديها ولاحقاً ظهر خيار التصدير كمصدر دخل شديد الأهمية للبلد وكانت إسالة الغاز هي الحل الأمثل (سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي 2.65 دولار بينما سعر نفس الكمية من الغاز الطبيعي المسال يتجاوز العشر دولارات) وبالتأكيد حتى يتم إنشاء مشاريع بهذه الضخامة كان لا بد من الاستعانة بخبرات وأموال الشركات الأجنبية وتم إنشاء وحدتين لإسالة الغاز الطبيعي في إدكو ودمياط وكان مصنع دمياط ساعة بناءه هو أكبر محطة لإسالة الغاز الطبيعي في العالم , لاحقاً بنت قطر 7 محطات لإسالة الغاز الطبيعي كلها أكبر من هذه المحطة
ولأن التصدير لا يكون فقط بإسالة الغاز (الإسالة حل فني متقدم وجد لإتاحة نقل الغاز لمسافات بعيدة) لايزال ممكناً نقل الغاز باستخدام الأنابيب وهذه هي الطريقة التي يتم بها تصدير الغاز لبلاد الشام و إسرائيل وبالمناسبة لازال هذا استثماراً شديد الضخامة (خط غاز العريش-عسقلان تكلف 1.3 مليار دولار) وبالطبع سعر الغاز المصدر عن طريق الأنابيب عادةً أرخص من الغاز المسال لأنه ببساطة يستخدم تكنولوجيا أبسط
كانت حجة الحكومة المصرية دوماً في موضوع تصدير الغاز لإسرائيل أننا نحتاج لتصدير الغاز لأننا نحتاج لعملة صعبة وحتى لا ندفع غرامات للشركات الأجنبية , طبعاً قد يبدو هذا منطقياً في حالة تصدير الغاز المسال (الغالي) لكن أن تصدر الغاز باتفاقية سرية وبسعر أرخص من الأسعار التي تبيع بها في الداخل فهذا يعني أن هناك شيئاً ما خطأ ....
أخيراً أود أن أعلق على موضوع استيراد مصر للغاز من إسرائيل , أنا اللي فهمته في البداية أن مصر هتصدر نصف الكمية فقط وتدفع ثمن الباقي لكن فعلاً لا يمكن فنياً استيراد الغاز مباشرة من إسرائيل عن طريق الأنابيب ولا مسالاً لأن إسرائيل حالياً ليس لديها القدرة الإنتاجية ولا التكنولوجيا ولكن أعتقد أنه سيكون لديها قريباً نتيجة لاكتشافات الغاز الضخمة أمام سواحل فلسطين المحتلة (الموضوع ده لازم يأخذ حقه لأنه إذا كانت فلسطين محتلة فبالتبعية ثرواتها مش من حق المحتل) طبعاً الكلام ده ليه وقته وكمان هنتكلم إزاي الشركات العاملة في مصر تساعد الإسرائيليين على سرقة موارد الشعب الفلسطيني

أعتقد أن هذا يكفي الآن , المرة القادمة ربما نتكلم عن ما الذي حدث حتى نصل لوضع أزمة الطاقة الحالية ؟ وماذا تفعل الدول المختلفة عندما تحدث عندها أزمة طاقة (في الشتاء غالباً وليس صيفاً مثلنا)؟
شكراً لصبركم

محمد حلمي